سلّي صيامك مع مباحث الإنترنت
لم يكن استدعائى لوزارة الداخلية أمرا جديدا علىّ .. لكن تعاملى معه فى المرة الأخيرة هو الذى كان مختلفا.. ففى المرات القليلة التى تم استدعائى فيها كنت أتعامل مع الامر بتجاهل تام وكان الرد الجاهز لمن يحمل الاستدعاء سواء شفويا أو بأمر كتابى كما حدث فى المرة الاخيرة لو عايزين منى حاجة يعتقلونى ( غالبا كانت الاستدعاءات لأمن الدولة ) .
لم أخرج عن هذه القاعدة فى جميع الاستدعاءات إلامرتين إحداهما كانت المرة الأخيرة أما المرة الأولى فكانت عندما كنت استعد لاصدار صحيفة قبرصية هى النهار وانتهى اللقاء بعدم السماح بالترخيص بعد إصراري على ضرورة محاكمة جلادى التعذيب وحبسهم ، وأن التعذيب جريمة نظام لابد من محاسبة القائمين عليه .
اما المرة الاخيرة فكان دافعى للذهاب هو طبيعة الجهة التى قامت بالاستدعاء وهى مكتب مكافحة جرائم الانترنت. كانت المرة الاولى التى أسمع فيها عن قيام هذا المكتب باستدعاء أفراد للتحقيق معهم ..وكان دافعى للذهاب اليه هو لعبة استطلاعية اكثر منه اى شىء أخر خاصة وأن كثير من الزملاء نصحونى مثلما هو متبع بعدم الذهاب وكان ردى " انا عاوز اتفرج وأعرف طبيعة عمل هذا المكتب وطبيعة الاستدعاءات فيه" فضلا عن الاستدعاء جاء فى وقت كان انتظار عودة البديل قد نال منا جميعا ، فوجدت في الذهاب نوعا من " تسلية الصيام" ..لدرجة أنني رفضت كل عروض الحقوقيين للذهاب معي ، وقلت لهم "خلونا نتفرج" واننى لن أستسلم لأى تحقيق رسمى فى غيابهم .
كان الاستدعاء قد وصل الى منزل شقيقى بالمنوفية يوم الخميس الماضى بعد ان عجز جهابذة الداخلية عن الوصول لعنوانى الحالى رغم انى اقطن فى ميدان لاظوغلي الملاصق لمقر الوزارة .
قررت الذهاب صباح السبت .. خاصة بعد ان عرفت من أحد الزملاء الصحفيين أن سبب الاستعداء يدور حول بعض انشطتى على النت والتى كانت محدودة جدا خلال الفترة الأخيرة ؛ وهو مازاد شغفى للزيارة فهو أقل اوقات نشاطى على النت باستثناء بعض مشاركات على الفيس بوك كلها لها علاقة بأزمة البديل .
المهم أننى ذهبت صباح السبت وبعد اجراءات الوقاية المعهودة التى بدأت بتركى لكارنيهى الصحفى على باب الوزارة ثم رش مادة على يدى للوقاية من انفلونزا الخنازير وانتهاءا بصعودى 7 ادوار على قدمى لأن الأسانسير معطل لأدخل الى غرفة بها ثلاثة ضباط بزى مدنى جميعهم بدرجة عقيد وبعد ان عرفتهم بنفسى سألتهم عن سبب استدعائى لأفاجأ ان السبب هو ان احد الاشخاص قدم ضدى شكوى بسبب تعليق على مدونتى وهو ما اثار ضحكاتى وعندما طلبت الاطلاع على الشكوى والتعليق فوجئت به عبارة عن شكوى مرسلة من مجهول الى رئيس الجمهورية وتم تنزيلها على مدونتى كتعليق اكثر من 8 مرات . وكانت الأزمة الحقيقية بالنسبة لى ان الشكوى تتهم اشخاص محددين بالأسم بالفساد والتجارة فى المخدرات واقامة علاقات غير شرعية مع موظفات تم ذكرهن بالأسم أيضا .
لم تحتوِ الشكوى على أى دليل يؤكد صحة ما نشر بها بما يعنى انها إما شكوى حقيقية تحتاج الى تحقيق حولها قبل نشرها أو انها شكوى كيدية الهدف منها النيل من سمعة اشخاص بعينهم او اتهام أبرياء. وكان الاحتمال الثالث انها محاولة للنيل منى بشكل شخصى ودعم هذا الاحساس داخلى أن التعليق تم نشره على موضوع قديم وثانيا ان تاريخ تقديم الشكوى سابق لانقضاء الفترة القانونية التى يحق فيها للمتضرر من النشر تقديم شكواه بعدة أيام حتى لا يتيح لى الرد عليها .
المهم اننى أخطرت الضابط الذى أطلعنى على طبيعة الشكوى والذى اتبعها بسيل من الكلمات الرنانة حول اتهام الأبرياء بأننى لم أكن اتخيل أن هذا هو سبب استدعائى وطلبت منه مهلة لمراجعة الأمر وأخبرته أنني لن أخضع لأى تحقيق رسمى بدون محامى وأننى فى هذه الحالة أفضل أن يكون فى النيابة وليس فى الداخلية وقلت له أننى سأسوى الأمر وأن من حقه استكمال اجراءاته بالطريقة التى ترضيه( إعمل اللي تعمله ) . وبعد ان قاموا بتصحيح بعض المعلومات حول محل اقامتى اخبرنى أن الشكوى مقدمة ايضا ضد موقع تضامن وسألنى إن كنت اعرف القائمين عليه فنفيت واستئذنته فى الانصراف وانصرفت .
بعد خروجى من الوزارة تدافعت التساؤلات فى رأسى حول طبيعة الشكوى وتوقيتها وماذا لو كانت عملا مقصودا. وكان السؤال الذى دار بذهنى هو امكانية تكرار الأمر مع أخرين عبر دس تعليقات عليهم وتقديم شكاوى بحقهم .. أما السؤال الأخر الذى شغلنى بشدة هل كان يمكن ان اترك هذا التعليق على مدونتى رغم كل ما به من اتهامات لا سند لها ورغم الخوض فى سمعة اشخاص محددين بالأسم وعلاقاتهم الشخصية .
وخلصت اننى ما كان يمكن ان اترك تعليقا به كل هذه الاتهامات فى حق أشخاص لا اعرفهم واننى لابد ان اسرع بحذفه مع الاحتفاظ بنسخة منه لعمل تحقيق صحفى حول ماورد في التعليق من اتهامات ووجود شبهات فساد وهذا ما يهمنى ولذلك كان أول قرار لى هو حذف التعليق علما بأن الضابط كان قد حذرنى من أن أى حذف للتعليقات لن يفيدنى خاصة أن الشكوى مرفق بها نسخة الكترونية من مدونتى فرددت عليه بأن يفعل ما يرى وأنه لا يجوز محاكمتى على جرم لم أرتكبه واشرت له اننى لا أفرض رقابة على التعليقات وأننى لست مسئولا عن محتواها ..وبقيت بداخلى خشية ان يكون هذا بداية للنيل من مساحة الحرية المتاحة على الانترنت والنيل من نشطاء الأنترنت خاصة خلال العامين القادمين ..وبعد استشارة بعض الاصدقاء والمحامين وجدت ان من واجبى تحذير الناس واعلامهم بما حدث معى حتى لا يكون هذا باب للنيل من النشطاء أو استهداف المساحة المتاحة لنا على الانترنت .
بقى أن اشير إلى أن الهدف من التحذير الذى اطلقته كان الحرص على هذه المساحة المتاحة وان الانطباعات التى وصلت لبعض الزملاء سواء عن خطأ منى أو لسوء فهم لما قصدته حول تخويف المدونين او دعوتهم لفرض رقابة على ما ينشر لديهم ليست صحيحة بالمرة . بدليل اننى لم اغلق باب التعليقات على تدويناتى الحديثة واحتفظت بحقى فى مراجعة هذه التعليقات وضبطها بعد النشر طبقا لما هو معمول به والدليل الثانى اننى لم احذف تعليقات تهاجمنى وتهاجم ارائى من على كل تدويناتى فأنا أرى ان النقد مباح مهما كان قاسيا ومهما زاد شططه ولكننى فى الوقت نفسه أؤمن ان النيل من سمعة برىء دون تحقق هو جريمة أكبر وهو ما دفعنى لحذف التعليق سبب الأزمة . خاصة أن ما ورد من اتهامات في التعليقات محل الشكوى تناولت الحياة الشخصية لأفراد بعينهم . ولم تقتصر على نقد أداءهم لمهام وظائفهم .
وكان لابد من التأكيد على أن دافعى لنشر ما حدث هو دعوة النشطاء للحفاظ على مساحة الحرية المتاحة للجميع بعيدا عن القنوات الرسمية والحفاظ على مساحة النقد الحاد المتاحة عبرها والتى دفعتنى يوما ما لإنشاء مدونتي بعد أن اغلقت أمامى أبواب التعبير أما قضيتى فأنا كفيل بها وقادر على التصدى لها خاصة اننى مؤمن ايمانا كاملا أننى لم ارتكب خطأ بترك الباب مفتوحا لحرية التعليق ، وهو اختيار اخترته منذ البداية رغم أنه كان يمكن ان امنع نشر التعليقات دون المرور علىّ ولكننى وجدت انه ليس طريقا جيدا
وبقى أن اقول اننى فقط حكمت التعليق على التدوينات القديمة والتى بسبب انشغالى لا أتمكن من مراجعتها خشية ان يفلت تعليق بهدف التعريض بأبرياء اوالنيل منهم أو حتى معلومة يجب علينا جميعا التحقق منها وتوثيقها فمازلت اعتقد ان اتهام انسان برىء او الخوض فى الحياة الشخصية لأفراد هو جريمة ما بعدها جريمة لا يجوز تركها دون ضبط أما حرية التعليق والدفاع عن هذه الحرية فهو واجب على الجميع .
وفي النهاية فإن نشر ما حدث ليس دعوة للخوف ، ولكنها خطوة مطلوبة لمواجهة ما أعتقدت أنه قد يكون أسلوبا جديد ربما يستهدف القضاء على مساحة الحرية المتبقية على الإنترنت . فالصحف ووسائل الإعلام العامة محكومة بقوانين نشر نختلف حولها لكنها تظل ملزمة للجميع . اما فضاء الإنترنت فهو بالأساس منطقة حرة للتعبير عن أراء مواطنين ربما لا تتسع لها قنوات الإعلام التقليدي .